اكتشف العالم بروح المغامر

رحلة1 ليست مجرد مدونة، بل بوابتك لاكتشاف الجمال الحقيقي في مدن المملكة، والانطلاق إلى مغامرات تُنعش الروح. نكتب لك بلغة تشبهك، ونرافقك من الجو إلى البرّ، ومن نكهات العالم إلى لحظات لا تُنسى.

يوم الموتى في المكسيك: احتفال ملون بذكرى الأحباء

يوم الموتى في المكسيك: احتفال ملون بذكرى الأحباء

لحظات لا تُنسى:

تخيل شوارع لا تفوح منها رائحة الحزن، بل عبير زهور القطيفة والبخور. ومقابر لا يعمها الصمت، بل تضج بضحكات العائلات .

 هذا ليس مشهدا من رواية خيالية، بل هو الواقع السنوي في المكسيك خلال يوم الموتى (Día de los Muertos). إنه احتفال ملون بذكرى الأحباء، حيث تتحول فكرة الموت من نهاية مفجعة إلى فصل جديد في رحلة الروح.

يوم الموتى في المكسيك: احتفال ملون بذكرى الأحباء
يوم الموتى في المكسيك: احتفال ملون بذكرى الأحباء
 وتصبح الذكرى جسرا يربط بين عالم الأحياء وعالم الأموات في كرنفال من الفرح والحب والامتنان.

أ/ الجذور العميقة: رحلة عبر الزمن من الأزتيك إلى اليوم:

تعود جذور يوم الموتى إلى ما هو أعمق من التاريخ المكتوب، حيث تمتد لأكثر من 3000 عام في قلب حضارات أمريكا الوسطى القديمة مثل الأزتيك والمايا والتولتيك.

 لم يكن الموت في معتقداتهم نهاية، بل كان جزءا طبيعيا من دورة الحياة والكون. كان شعب الأزتيك يقيم مهرجانا يستمر شهرا كاملا لتكريم الموتى.

مع وصول الغزاة الإسبان في القرن السادس عشر. تغير وجه الاحتفال إلى الأبد. حمل الإسبان معهم نظرة أكثر قتامة للموت متأثرين بتقاليدهم . ولكنهم لم يتمكنوا من محو هذه الطقوس المتجذرة في وجدان الشعوب الأصلية.

 وبدلا من ذلك، حدث اندماج ثقافي فريد، حيث تم دمج الاحتفالات القديمة. وهكذا ولد يوم الموتى بشكله الحديث، وهو ما اعترفت به اليونسكو عام 2008 بإدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.  

ب/ فلسفة الذكرى: فهم الموت كجزء من دورة الحياة:

يكمن جوهر يوم الموتى في فلسفته العميقة تجاه الحياة والموت. إنه لا يرى الموت كنهاية مرعبة، بل كتحول طبيعي ومرحلة لا بد منها في رحلة الوجود المستمرة.

اقرأ ايضا: بأيدينا بنينا أحلامهم: لحظات لا تُنسى في قلب العطاء

إن الاحتفال هو تأكيد على أن العلاقة مع الأحباء لا تنقطع بموتهم، بل تتحول وتستمر من خلال الذاكرة. فما دام هناك من يتذكرهم ويحتفي بهم. فإن أرواحهم تظل حية وحاضرة.

هذا الاحتفال هو دعوة لتكريم الحياة من خلال تذكر أولئك الذين رحلوا. بدلا من الحداد على غيابهم. يتم استقبال أرواحهم كضيوف شرف يعودون مرة في السنة لزيارة عائلاتهم. فتتحول المقابر إلى أماكن للتنزه العائلي، وتُروى القصص المضحكة.

إن استخدام الهياكل العظمية والجماجم كرموز أساسية لا يهدف إلى إثارة الخوف، بل إلى السخرية من الموت وتذكير الجميع بأننا متساوون في نهايتنا. بغض النظر عن ثرواتنا أو مكانتنا الاجتماعية في الحياة.  

ج/ لحظات لا تُنسى: رموز وطقوس تنبض بالحياة:

المذابح (Ofrendas): بوابات ملونة لاستقبال الأرواح:

إن حجر الزاوية في احتفالات يوم الموتى هو المذابح (Ofrendas). وهي ليست أماكن للعبادة، بل هي موائد استقبال رمزية تُبنى في المنازل وعلى القبور للترحيب بأرواح الموتى العائدة.

 كل عنصر على هذه المذابح له معنى عميق ويرتبط بالعناصر الأربعة للطبيعة. يمثل الماء في إبريق موضوع على المذبح إرواء عطش الأرواح بعد رحلتها الطويلة.

 بينما ترمز قصاصات الورق الملونة والمخرمة المعروفة باسم "بابيل بيكادو" (papel picado) إلى عنصر الهواء وحركة الأرواح. أما عنصر الأرض فيتمثل في الطعام، وخاصة خبز الموتى والفواكه التي تغذي الأرواح.

 وأخيرا، تمثل الشموع المضاءة عنصر النار. الذي ينير الطريق للأرواح ويهديها إلى منزلها. تُزين المذابح أيضا بصور المتوفين وأشيائهم الشخصية ومأكولاتهم ومشروباتهم المفضلة، مما يجعل كل مذبح قصة فريدة من نوعها.

تعتبر هذه المذابح جسرا من الحب والذكرى. هل لديكم في ثقافتكم طرق مشابهة لتكريم ذكرى أحبائكم؟ شاركونا طقوسكم في التعليقات.  

د/ حلاوة الذكرى: جماجم السكر وزهور القطيفة:

من بين أكثر الرموز شهرة في يوم الموتى هي الجماجم أو "الكالافيراس" (calaveras). ولكنها ليست رموزا morbidة، بل هي رموز مرحة تحتفي بالحياة.

 جماجم السكر (Calaveras de azúcar) هي حلوى مزخرفة بألوان زاهية. وغالبا ما يُكتب اسم المتوفى على جبينها كهدية رمزية.

 كما يمكن أن تحمل أسماء أشخاص أحياء كنوع من الدعابة والمودة. ترمز هذه الجماجم إلى حلاوة الذكريات وتقبل الموت كجزء لا يتجزأ من الحياة. وإلى جانب الجماجم.

تلعب زهور القطيفة البرتقالية الزاهية. أو "سيمباسوتشيل" (Cempasúchil). دورا حيويا. يُعتقد أن لونها القوي ورائحتها النفاذة تخلقان مسارا عطريا يهدي أرواح الموتى من المقبرة إلى مذابح عائلاتهم. لتصبح هذه الزهور بمثابة منارات من نور ورائحة ترشد الأحباء في طريق عودتهم.  

لا كاترينا: أيقونة الأناقة التي هزمت الموت:

لا يكتمل الحديث عن يوم الموتى دون ذكر لا كاترينا (La Catrina). تلك الشخصية الأيقونية التي أصبحت وجه الاحتفال ورمزه الأبرز.

 ولدت لا كاترينا في الأصل كعمل فني ساخر حوالي عام 1910 على يد رسام الكاريكاتير خوسيه غوادالوبي بوسادا. الذي أطلق عليها اسم "لا كالافيرا جاربانسيرا".

كانت الصورة عبارة عن هيكل عظمي يرتدي قبعة أوروبية أنيقة. في نقد لاذع للمكسيكيين الذين كانوا يتنكرون لأصولهم الأصلية ويتبنون العادات الأوروبية. كانت رسالتها واضحة. تحت الملابس الفاخرة والمظاهر الاجتماعية. كلنا في النهاية مجرد هياكل عظمية.

لكن الفنان الجداري الشهير دييغو ريفيرا هو من منحها شهرتها الخالدة في جداريته "حلم ظهيرة يوم أحد في حديقة ألاميدا" عام 1947، حيث أعاد تسميتها بلا كاترينا (وتعني الأنيقة).

 وألبسها ثوبا فاخرا ووضعها في قلب التاريخ المكسيكي. ومنذ ذلك الحين. تحولت من رمز للنقد الاجتماعي إلى تجسيد للفلسفة المكسيكية تجاه الموت. فهي أنيقة ومرحة وتواجه الموت بابتسامة.

واليوم، يتنكر الآلاف من النساء والرجال في هيئتها خلال الاحتفالات. لتصبح رمزا للجمال والفخر الثقافي وقبول دورة الحياة والموت بأناقة.  

نكهات من العالم الآخر: مأدبة الأرواح والأحياء:

الطعام هو لغة الحب في احتفال يوم الموتى. وهو وسيلة لتكريم الأرواح ومشاركة الأحياء في وليمة مشتركة.

إن الطبق الأكثر شهرة هو خبز الموتى (Pan de Muerto). وهو خبز حلو بنكهة اليانسون أو زهر البرتقال. يتم تشكيله غالبا على هيئة عظام متقاطعة فوق رغيف مستدير.

 ليرمز إلى جسد المتوفى. إلى جانب الخبز. تمتلئ المذابح والموائد بأطباق تقليدية شهية مثل "المولي" (Mole) .وهو صلصة غنية ومعقدة، و"التاماليس" (Tamales). وهي فطائر من عجين الذرة محشوة ومطهوة على البخار.

 بالإضافة إلى مشروبات دافئة مثل "أتولي" (Atole) و"تشامبورادو" (Champurrado) المصنوع من الذرة والشوكولاتة.

 تعتقد التقاليد أن الأرواح تستهلك الجوهر الروحي ورائحة الطعام. وبعد انتهاء الزيارة. تتقاسم العائلة الطعام المتبقي. في لفتة رمزية لمشاركة وجبة مع أسلافهم.  

هـ/ وفي الختام: دعوة للمشاركة في إحياء الذكرى:

يوم الموتى هو قصة حب تتجاوز حدود الحياة والموت. إنه درس بليغ من الثقافة المكسيكية للعالم أجمع. يعلمنا كيف نواجه حتمية الفناء ليس بالخوف والظلام، بل بالجمال والألوان والاحتفال.

 إنه يحول الحزن إلى جسر يربط بين الأجيال. ويؤكد أن أحباءنا يظلون معنا طالما بقيت قصصهم تُروى وذكراهم تُحتفى بها. هذه الطقوس الفريدة في شكلها هي عالمية في جوهرها.

فهي تلبي حاجة إنسانية أساسية في تذكر وتكريم من فقدناهم. والحفاظ على شعلة ذكراهم متقدة في قلوبنا.

 الآن. نود أن نسمع منكم. ما هي التقاليد التي تتبعونها للحفاظ على ذكرى من رحلوا؟ شاركونا أفكاركم وقصصكم في التعليقات أدناه. ولنجعل هذا الحوار احتفالًا عالميًا بالذكرى.

اقرأ ايضا: التنزه على كورنيش جدة الجديد: رحلة تسكن الروح على ضفاف البحر الأحمر

هل لديك استفسار أو رأي؟
يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال